خطاب من السيد العارف بالله الشيخ أحمد رضوان البغدادي
إلى فضيلة السيد الرائد والأحباب جميعًا
وهذه الرسالة أنموذج في أدب العارفين وتناصحهم في الله تعالى
|
صورة تجمع بين العارف بالله الشيخ أحمد رضوان والعارف بالله الشيخ محمد زكي إبراهيم |
( المسلم ): كان الإمام الرائد سيدي محمد زكي إبراهيم رحمه الله تعالى قد كتب إلى الأستاذ الجليل العارف بالله الشيخ أحمد رضوان البغدادي الأقصري رحمه الله يهنئه بمناسـبة افتـتاح المسـجد الرضواني وساحته المباركة بـ (البغدادي) بـ (الأقصر)، فكـتب السـيد أحمد رضوان إلى السيد الرائـد هـذا الخـطاب الكافي الشافي، وقد وجهه إلى جميع الإخوة والمعارف والأحباب، نصيحة باقية، وأثرًا مسجلاً، وبيانًا مذكورًا مشكورًا لكل سالك يطلب الله أو واقف على باب الله..
قال العارف بالله الشيخ أحمد رضوان رحمه الله، بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
... ... ...
من العبد المسكين، الذي ليس له لذة في هذه الدار إلا التعلق بالملك الغفار، الذي ضاع عمره سُدى: أحمد رضوان.
إلى أخ الروح، الذي منَّ الله عليَّ بمعرفته، وجمعني به: شيخي وأستاذي السيد محمد زكي إبراهيم.
أخي: إنَّ من أراد الله تعالى بقلبه وسره وروحه وبشريته قـام له وقـام بـه، لا يريد عوضًا في عبادته، ولا يريد جزاء على طاعته، فهو بين الخوف والرجاء، والطمأنينة والقلق، لا يصاحب نفسه، ولا يرى لنفسه عملاً، مهما كان عمله، فإن المنـة لله والفضل له، حيث وفّقه لتوحيده، ودلّه على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وعرّفه بأهل حضرته.
أخي المحـبوب: إن العبـد إذا قــال ( لا إلـه إلا الله ) صادقًا من قلبه، يبغي بها وجه ربه، مـلأت القـلب نـورًا، فلا تبـقي بقــية لغير الله في لـبه، فيعطي القلب البشرية ما يعصمها من السوى، فتصير بشرية ملكية، لا تقع منها هفوة ولا غفلة، ولا ذلة ولا لهو، يتقذر كل قاطع يقطعه عن ربه، وعلامة ذلك أن يصير ما كلف به من الله كَلَفًا، وحبًا وسرورًا وطربًا.
لا يعرف النوم في سحره، ولا يطلق لسانه إلا فيما يحب مولاه، يعد أنفاسه ويحصيها، يستعذب البلاء فيه، ويراه منة عليه، ويترك الراحة والبطالة، لأنه صار في المعية الكبرى، وعلامة ذلك أن يأخذ من القرآن ما يسوقه له ربه، من غير معلّم يعلمه، ومن السنة ما يجعله متبعًا لصاحب السنة، وعند ذلك تأتيه التنبيهات والبشارات، فلا يقف مع عرش ولا فرش، يكون في الدنيا وليس هو فيها، ويكون مع الناس وليس هو مع الناس.
يبغض الراحة أملاً في ذكر ربه، ويهجر الأكوان أملاً في فكرة وعبرة، وعلامة ذلك أنه لا يريد الشهرة ولا الصيت، وليس له أذن تسمع المدح والذم، انفرد لله بالله، وانقطع لله بتوفيق الله، فعند ذلك ينادى عليه في السموات: إن الله يحبه، وتحبه ملائكة الله، ويداوم على المعرفة والخوف والمراقبة والحياء، لا يفتر عن العمل عبــودية لله.
يرى القلة كثرة، والسقم عافية، لأنه يحب الحق، وما يأتيه منه يراه جميلاً، كأن الآخرة بين عينيه، يقصر الأمل ويكثر العمل، ويخاف الفوت، بكّاء بالأسحار، بسّام بالنهار، هين لين، متواضع، يؤثر إخوانه على نفسه، يوالي أهل حضرة الله، ويبغض أعداء الله، وينصح لله، ويحب في الله، ويهجر لله، ويعطي لله، ويمنع لله، سائرًا بروحـه إلى ربـه، لا يقف مع ملك ولا ملكوت، ولا مع عرش ولا جبروت.
يفرح بالخلوة ويكره الجلوة، ويحب إخماد صيته إلا إذا أظهره الله، وعلامة ذلك أن يكون فارغ القلب مما سواه، صحب الله على صدق، وأحبه على وجد، يُسارع له في الخيرات، كثير الذكر، كثير الشكر، لا يحـب النـوم ولا يشتهيه، ولا يحب أحدًا لغير ربه، تـراه حتى في بيته ومع زوجـته سـائـرًا إلى الله.
اتخذ في هذه الدار أنسه بالله، وسيره لله،وصمته لله، وذكره لله، فهو بالله قائم، لا يصاحب نفسه، ولا يرضى عنها، ذليل في عز، وعزيز في ذل.
انقطع إلى الله بكله، والتجأ إليه في جهره وسره، خرج من مراده إلى مـراده، صـار ليس له بغـية إلا الله، إن أقـعده شـكر، وإن ســيّره ذكـر، هائم به، متحسر لطول البقاء في هذه الدار، لولا الأجل المحتوم، لطـارت روحـه إلى الله،لايـدعي مشـيخة، ولا يدعي سيادة، وعلامة ذلك أن يجلس حيث ينتـهي بـه المجـلس، تراه بين إخوانه لا علامة لظهوره، ليس بمتكبر ولا متجبر، يتهم نفسه في أعماله الصالحة، وإذا ساق أحدًا إلى الله ساقه بالله، لا لشهرة، ولا ليقال: إنه عارف أو ولي، لا يطلب كرامة ولا خرق عادة..
أفضل الأشياء عنده العبودية، وأشهى شيء له في الدنيا والآخـرة الحق، تأخذه العبرة فيكاد أن يذوب، ويأخذه الشوق فيكاد أن يموت، لا ينتصر لنفسه، ولا يدعو على غيره، تراه بذالاً المعروف، لا يجمع الدنيا لغرض فيها، ولا يتعجل أمرًا أقامه الله فيه، يتمسكن لربه في كل أوقاته، كثير السؤال، قريب إلى المؤمنين، سهل، حظه التعلق بالله، وطلبه في الآخرة النظر إلى وجه الله.
وإني يا سـيدي أكثرت عليكم، وأنـتم أهـل لما أقـول.
أرجـو يا سـيدي: كل من جلس بجواركم أو صاحبكم أن تعلموه وتسوقوه وتهذبوه، وكونوا جميعًا دعاة إليه، واحذروا الدخيل فيكم، وأحصوا عددكم، وأفرزوا جلساءكم، والحذر ممن ينتسبون إلى الدين ولا يريـدونه، ويحتسبون أنفسهم مسلـــمين، يريدون أن يخدعوا الناس بأقوالهم...
ثم ادعوا لي، فإني متأخر عن القوم، غشتني نفسي، وسترت عليَّ حالي، وقد قرب رحيلي، وتحطم جسمي، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ادعيت الصلاح وأنا لست من الصالحين، وتظاهرت بسمات القوم ولست من القوم، فلما علمت خيانة نفسي، بادرت إليه به، واعتذرت إليه به، وتبت إليه على قدر جهدي.
سلامي لأهل العشيرة المحمدية، وإني أسألكم الدعوات، من عرفتهم في الله يسلمون عليكم.
والســـلام علـيكم ورحــمـــة الله.
من الفقير المسكين المقصر الراجي
عبد الله: أحمد رضوان
(البغدادي- بقنا)